الثلاثاء، 22 أبريل 2014

بين الأكيد والمحتمل قصيدة للشاعر كريم الشاورى



بين الأكيد المحتمل
حبّة جنان وكاسين حنان
ومشربية بنت حلوة
حبَّها أبن الجيران
.......................
بين الأكيد المحتمل
حبّة غضب
وقلب عاشق للطرب
مات...
لما شاف قلب الحقيقة بيتصلب
..................
بين الأكيد المحتمل
مليون مقال
عن فلسفة ناشفة وعقيمة
تقولّنا إن الأكيد
ده شئ محـــــــــال
..............................
بين الأكيد المحتمل
مليون طريق
أنا منهم اخترت الصديق
اللى طلع وهم وسراب
واللى باعنى ف لحظة هايفة
و دفّع العشرة الحساب
بين الأكيد المحتمل
يجى ألف بــــــاب

الأحد، 6 أبريل 2014

مؤتمر إقليم جنوب الصعيد الثقافي الخميس 10 أبريل 2014 الجنوب في الثقافة المصرية : وحدة المتن وعبقرية الهامش


انتهت الأمانة العامة لمؤتمر إقليم جنوب الصعيد الثقافي من وضع اللمسات الأخيرة استعدادا لانطلاق فعاليات مؤتمر إقليم جنوب الصعيد الثقافي والذي تقرر أن يعقد في مدينة الأقصر الخميس القادم 10 أبريل ولمدة ثلاثة أيام بمدينة الأقصر ويفتتحه وزير الثقافة المصرية ورئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، تحت رعاية محافظ الأقصر طارق سعد الدين، ورئيس الإقليم سعد فاروق تحت عنوان ( الجنوب في الثقافة المصرية – وحدة المتن وعبقرية الهامش ) وفد تم اختيار د. ضياء رشوان نقيب الصحفيين المصريين رئيسا للمؤتمر
على أن يكون هناك محوران فرعيان: خصوصية الثقافة الشعبية .. والإبداع وهوية المكان.
النقاد والباحثون:
وقد وجهت أمانة المؤتمر الدعوةَ لعدد من النقاد والباحثين للمشاركة في المؤتمر مِن بينهم:
د. بهاء عبد المجيد
د. محمود الضبع
د. مدحت الجيار
د. أمجد ريان
د. محمد أبو الفضل بدران
أ. سيد الوكيل
بالإضافة إلى عدد كبير مِن النقاد والباحثين من إقليم جنوب الصعيد:
د. الضوي محمد الضوي
د. سيد علي السيد الدنقلاوي
أ. أحمد الليثي الشروني
أ. خالد طايع
أ. أحمد أبو خنيجر
· المكرَّمون:
وقد اختارت أمانة المؤتمر للتكريم هذه الدورة:
اسم المبدع الراحل : عبده أحمد حسن
الشاعر: عبد الرحيم طايع
الشاعر: بكري عبد الحميد
· الشخصيات العامة:
كما وجهت الأمانة الدعوةَ لعدد من الشخصيات العامة الثقافية بالإقليم لحضور المؤتمر وهُم السادة:
- أ. محمد مغربي مكي
- أ. النوبي عبد الراضي
- أ. جمال عبد العزيز بدوي
- أ. محمد طاهر برعي
· الشهادات:
كما يشهد المؤتمر جلسة للشهادات الإبداعية والثقافية لكلٍ مِن :
أ. منى الشيمي
أ. جمال عدوي
أ. صلاح العويضي
كما أرسل الإقليم للفروع الثقافية بترشيح عضو مِن كل نادي أدب لحضور المؤتمر، وقد انتهت الأمانة العامة للمؤتمر والإقليم من طبع كتاب أبحاث وشهادات المؤتمر .. وكذا كتاب " إبداعات الأقصر
وجارِ توجيه الدعوة لعدد كبير من رموز الفكر والثقافة والإعلام ليكونوا ضيوف شرف المؤتمر
وقد تكونت الأمانة العامة للمؤتمر من السادة:
أ‌. منتصر أبو الحجاج -أمينا عاما
أ. محمد جاد المولى
أ. محمد علي إبراهيم
أ. عبيد عباس
أ. سيد الطيب
أ. فاطمة عطا
أشرف البولاقي

رئيس الإقليم يفتتح مؤتمر اليوم الواحد بقنا محمد نصر يس تجليات الثقافة والإبداع الأحد 6 أبريل


  في السابعة مِن مساءاليوم الأحد 6/4/2014 افتتح رئيس إقليم جنوب الصعيد الثقافي سعد فاروق مؤتمر اليوم الواحد بقنا تحت عنوان " محمد نصر يس – تجليات الثقافة والإبداع " احتفاءً واحتفالا بقيمة وذكرى المثقف والفنان الراحل محمد نصر يس والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 6/4/2007
رأس المؤتمر الشاعر والمسرحي درويش الأسيوطي، وتولى أمانته العامة الشاعر محمد عزت الطيري
برنامج وفعاليات المؤتمر :
الافتتاح وكلمة أمين عام المؤتمر، وكلمة رئيس المؤتمر، وكلمة أسرة الراحل، وكلمة رئيس الإقليم، وكلمة محافظ قنا ... والتكريم
جلسة الأبحاث ويشارك فيها كل من :–عبد الجواد خفاجي - فتحي عبد السميع
جلسة الشهادات ويشارك فيها كل من : د. محمد أبو الفضل بدران – سعد القليعي – محمد صالح البحر
أمسية شعرية ويشارك فيها الشعراء : أسامة عفيفي " القاهرة " حسين القباحي " الأقصر " – صلاح العويضي " البحر الأحمر " حسين صالح خلف الله " أسوان " وشعراء محافظة قنا
كما وزَّع على هامش المؤتمر كتاب تذكاري أصدره أدباء ومثقفو محافظة قنا على نفقتهم الخاصة احتفالا بهذه المناسبة
هذا وقد تشكلت أمانة المؤتمر من السادة : عبيد عباس – أحمد محمد حسن – عبد الرحمن محمد أحمد – عبد الصبور السايح – حمدي حسين – محمد عبد الحميد سلامة – عبد الرحيم طايع – وائل النجمي – أشرف البولاقي.
وأشرف على تنفيذ المؤتمر وإعداده محمود عبد الوهاب مدير عام فرع ثقافة قنا

مرثية "محمد نصر يس" شعر: أبوالفضل بدران







وكأن النيل ربّاهْ
وكأني قبل ما يولدْ كنت معاهْ محلاهْ
ماشي فِ شوارع الدنيا
والدنيا وراهْ
ولا عايز مُلك
ولا عايز جاهْ
ياهْ
فاكرْ لما حكيت لي عن آخرْ حلم تشوفه
قلت له الباقي
ما انا شفته معاهْ
ومحمد نصر بيضحك
بتشوف القلب الصافي بيضحك جوَّاهْ
وتشوف الدمعه الصافيه ف عينه
صافية زي صفاهْ
يا بو نصر يس
أوعَ الموتْ متخبي ف صدرك
مش شايفه ، ولا قنا شايفاهْ
تتألم وبتنكر وبتكتم
وتقول : أهي أزمه زي بلادنا
تتألم وبتكتم
وانَا قلت - بدالك – آهْ
آه يا محمد نصر يس آهٍ آهْ
الموته ندهاهْ
ماشي وسايبنا لمين ؟
الحزن دفينْ
والدمعه كاشفاهْ
وعديله يا بونصرْ
يا أجمل نبته فِ زرعة مصر
الليل بيْلم نجومه من العصر
ودموعك شايفاهْ
ونا جاي لكْ
- عايز حاجه؟
- شكرا
يكفيك الله
الله ، يا محمد نصر يس
الله، الله

الخميس، 3 أبريل 2014

وضعية السارد ( فى علاقته ببنية العالم القصصي / النص ) دراسة لنصوص أحمد الليثى الشرونى للاستاذ عبد الجواد خفاجى



(  1  -  1  )
لكى نسير فى دراسة وضعية /وضعيات السارد فى علاقتها ببنية النص يجب أن نفرق بداية بين القصة والعمل القصصي / النص  باعتبار الأخير وسيطا قصصياً / خطاباً .
 ثمة فارق كبير إذن بين النص القصصى والقصة  قبل أن تتجسد فى نص . إذ تُرى أحداثا ينظر إليها على أن لها وجوداً مستقلا  عن أية وجهة نظر معينة  تظهر من خلالها الأحداث فى العمل القصصى / النص . ويُنطر إليها على أن لها خصائص الأحداث الحقيقية التى لها وجود فعلى ، والأحداث فى وجودها الفعلي يمكن أن تحدث جملة " فى لحظة واحدة " لكنها فى الخطاب القصصى تأتى بكيفية ما وفق نظام زمنى أفقي تراتبى قد يستغرق مساحة زمنية طويلة لذلك يمارس السارد( الراوية ) كافة صلاحياته – باعتباره صاحب الخطاب القصصى وصانعه- فى تشويه هذا الزمن الأفقى ليربكه ويجعله قادرا على استيعاب الأحداث بشكل أو بآخر ، وربما يترتب على هذا الإرباك والتشويه الزمنى أن العمل القصصى ربما لا تظهر فيه العلاقات بين حدث وحدث بشكل يتفق ومنطق الواقع أو منطق حدوثها فى الحقيقة أو حتى ترتيبها .
والسارد وهو يقوم بهذا الفعل لا يقوم به اعتباطاً وإنما يتم الأمر وفق منظور معين أو وجهة نظر معينة .هذا المنظور أو وجهة النظر هو الذى يحدد وضعية السارد مكانياً وزمانياً بالنسبة لشخوص قصصه . والحقيقة ان وضعية السارد تثير مشكلات منهجية عدة ، يتعلق بعضها ببنية النص وبعضها الآخر يتعلق بالقيم المبثوثة فى النص ، وبعض ثالث يتعلق بالعلاقة بين النص والمؤلف .
ولقد حدد " تزفيتان تودوروف " وضعيات أو تجليات السارد فى النص فى ثلاثة أصناف :
-         السارد أكبر من الشخصية القصصية أو الروائية ( الرؤية من الخلف )
-         السارد مساوٍ للشخصية ( الرؤية مع أو الرؤية المصاحبة )
-         السارد أصغر من الشخصية ( الرؤية من الخارج )
ولقد كان القصاص والروائيون التقليديون لايعرفون  أو   لا يكادون يعرفون إلا مايسمى فى تقنيات السرد بالرؤية من الخلف .
فى نصوص الوجوه المصبوغة لأحمد الليثى :
  السارد مراقب لشخوصه القرويين المنتمين للمكان الواحد..بكل عاداتهم وطقوس حياتهم مركزاً على طبيعة العلاقات وفطريتها وسزاجتها أحياناً، مركزاً أيضاً على انتماء الشخوص لماضيهم وتراثهم وقريتهم " نجعهم " ولثقافتهم الخاصة . ناقلاً وضعياتهم المزرية وأحوالهم الصعبة المتعسرة وفلكلورهم ولهجاتهم أحياناً.
مركزا أيضاً على تعارض منظومتى  القيم بين هؤلاء والعالم ، وعلى تعارض منظومة القيم بين ماضيهم وحاضرهم ، فيما بدا السارد منحازاً لشخوصه متحيزا لهم منضماً إلى شخوصه فى منظومة القيم .
من المهم أن نتساءل فى هذا السياق :-كيف أدرك السارد العالم القصصى الذى نقله إلينا ؟
وتساؤلنا هنا يركز على الكيفية التى تجلت بها صورة العالم القصصى  - من فيه وما فيه – داخل النص .. إن الادراك القصصى هنا ، وعلى أى كيفية كان يتشابك مع وضعية السارد داخل سرده ، وكذا مع وضعية بقية الشخوص .
ومن المعروف أن العالم يتجلى لكل شخص فى صورة مختلفة عن تجليه لأى شخص آخر . ورغم أن وسائل الادراك محايدة، ومع ذلك فإن تجليات الصورة تختلف . فماالذى يختلف أو يتسبب فى الاختلاف من شخص لآخر ؟.
لاشك إن الاختلاف يكمن فى التفسير ، فالتفسير هو الذى يعطى للحادثة الواحدة زوايا متعددة ، ومن ثم إدراكاً يختلف فى طبيعته عن إدراك الآخرين .ويعتمد التفسير على جملة عوامل منها على سبيل المثال : منظومة القيم . فالقيم التى يؤمن بها السارد تؤثر فى رؤيته للعالم وللأشخاص من حوله . ويشكل التفاوت بين قيم السارد وقيم العالم من حوله أحد بؤر الصراع الأساسية فى الأعمال القصصية والروائية .
فى نصوص الليثى ينحصر الصراع عند هجمة القيم المحدثة / المدنية / الحاضر على القيم التليدة / القرية / الماضى .
ولعل خطورة الرؤية المطروحة فى مثل هذه النصوص التى تنتسب إلى هذا الجانب من تعارض منظومات القيم أنها تتحيز بشكل واضح لقيم وأخلاقيات المجتمع المعزول المغلق الذى يتسم بالخصوصية والثبات والاستقرار مالم تتدخل الطبيعة أو الصدفة . تماما كعالم القرية الذى يمثل أرضية مشتركة لكل قصص الليثى . فالمكان هو المكان ، والأشخاص هم الأشخاص ، وكل شئ يخص كل شئ ، ومظاهر الحياة بعيدة عن أية تحولات من أى نوع "سياسى – ثقافى .. ..الخ" مع بطء مراحل التنمية الاقتصادية أو انعدامها ، غير ماهنالك من ارتباط الفرد بالمكان والطبيعة ، ومع استمرار العزلة وعدم التنقل أو الانتقال تنشأ الألفة مع المكان ويتوطد الإخلاص والارتباط به وبالطبيعة، فيما تتسم الحياة عموماً بالبساطة وعدم التعقد . وهذا يفرض بساطة العلاقات وميلها إلى الطمأنينة ، وبعدها عن القلق والصراع العنيف فيما تظل مشمولة بقناعتها وزهدها .وغير ما هنالك من مقاومة النزعة الفردية فيما يسيطر على مظاهر الحياة شكل التنظيم الاجتماعى التقليدى الذى تغلب فيه المعتقدات والعرف ، وينظر فيه إلى الأفراد من حيث أصولهم ومدى محافظتهم على القيم وتناغمهم مع العرف والواجب والضمير الجمعى لامن حيث سماتهم الخاصة التى تجعلهم مستقلين عن الوسط ، ومن ثم ينعدم الطابع الشخصى للعلاقات ، فيما يسود الطابع الجمعى .
هذا هو المجتمع المغلق الذى رصده" الليثى" بسماته المحددة لطبيعة العلاقات ومظاهر الحياة فيه . وهو ولاشك مجتمع متميز بخصوصيته الثقافية والأخلاقية التى يصح أن نسميها أخلاقيات العزلة ، أو الأخلاقيات المغلقة .
          فى مثل هذا الطقس المغلق المخصوص تبرز إشكالية الآخر / العدو الذى يجب استبعاده أو محاربته . والآخر هو كل من يحاول غزو القيم المحافظة الثابتة بهدف تغييرها أو زحزحتها ، ومن ثم لابد أن ينشأ الصراع بين منظومتى قيم مختلفتين .
يتجلى هذا الآخر فى نصوص  الليثى فى صورة"الشمال" بكل قيمه ورياحه ورائحته وما يتأتى منه باعتبار أن الشمال وحده هو المجتمع المدنى المفتوح الذى يستأثر بخيرات هذا الوطن ، حتى مياه النيل تزحف نحو الشمال المباهى بوجوده المادى المفتوح . فيما بدا الشمال رغم هذا منحدراً فى كل شئ إذ يمثل القيمة الهابطة مع هبوط الأرض نحو الشمال . الغربة – أيضا – تلون الرجال المغتربين عن القرية بقيم أخرى جديدة غريبة ، ومن ثم إذ يعودون إلى القرية يتهددونها فى وجودها المخصوص سواء كانت غربتهم إلى الشمال أو إلى دول النفط.
تتجلى هذه الرؤية فى نص " صورة متأرجحة " و" أغصان مرداء" و" ترحال"
فى الأولى : صورة العائد إلى القرية المنقوشة فى ذاكرته ، إذ يقفز من القطار الذى تفوح من نوافذه رائحة الشمال ، ليندمج فى تفاصيل عشق قديم مع المكان والزمان البعيد حيث النشأة والطفولة وتذكارات الماضى .. تحتويه الحجرات وتتراءى له صور الموتى وهو يعاود النظر إلى تلك المعلقة على الحوائط .. يمد البصر إلى المزيرة الظمآنة ويمد الخطى إلى مقام الشيخ "محمد" فيما يلفها النسيم والهواء الرطب وما إلى ذلك من طقس بديع مختلط بأصوات المآذن والجموع الخارجة للصلاه والعصافير وما إلى ذلك من منظر للشروق والضياء وتفاصيل أخرى كثيرة يختلط فيها الماضي بالحاضر .. جميعها تشكل صوراً أثيرة تشد شخصية القصة إليها ، فيما بدا أنه كان مفتقدا لكل هذا النقاء والطهر والجمال فى الشمال . فيما بدا أيضا أن السارد متأرجح بين الشمال والجنوب .. الشمال الذى يستأثر بالحياة / الماء لوحده بيد أن الجنوب رغم خصوصيته وعبقه وجماله لا يزال حظه عسرا .
حيث ظهر السارد الذى يقص بضمير " الأنا" فى نهاية النص قائلا : " أقف على حافة النهر ، ألمح صورة تهتز وتتأرجح ، تجرف الأمواج شعاع بصري إلى الآخر ، فأرى المياه صافية صوب الشمال ، أعود ، أبحث عن صورتى المتأرجحة فأجدها قد ذابت وتلاشت " .
فى نص " أغصان مرداء " تتجسد الشجرة العتيدة القابعة – على حد تعبير السارد – منذ عهد بعيد فى هذا المكان .. تتجسد كمعادل موضوعي للجد الذى تقدم به العمر ..مجسداً بدوره كل قيم الرسوخ والثبات  والأصالة والقيم  ، أما وقد فعل الزمن ما فعل بعظامه فيما بدا ، فهو على وشك الرحيل إلى الحياة الآخرة . فيما تشكل الطيور المهاجرة معادلا موضوعيا آخر لأبناء القرية المهاجرين / المغتربين المنتظرة عودتهم .
عادوا بعدما دفن الجد وقد اندفنت معه كل القيم التى تمثله لتحل محلها قيم الطيور المهاجرة القادمة برؤيتها الجديدة ليغيروا الصندوق / الحياة الساكنة منذ عهد سحيق فى هذه البؤرة  منتهكين بذلك وصية الجد التى أوصى بها زوجه قبل وفاته ؛  ( تمسكى بهذا الصندوق ولا تجعليه يفارق هذه الغرفة ، إذا أرادوا أن يصطحبوه معهم هناك فلا توافقي لأن مكانه هنا ، ولابد أن يظل هنا فهو الباقى لنا من رائحة الأجداد .. ربما يغيرون لونه أو يبدلون ما بداخله ، فالبلاد هناك قاسية ، وتجمع كل المتناقضات " .
 ومن ثم أصبح كل شئ خربا : " تجردت الأغصان من الأوراق ، وأصبحت جرداء ، وهجرتها الطيور إلى الأبد ".
وبصرف النظر عن تكاثف الرموز فى هذا النص وارتباكها فى نفس الوقت حيث الجمع بين الطيور المهاجرة والصندوق الساكن منذ عهد سحيق والشجرة القابعة .. جمع يجعل من الصندوق نشازا فى وسط متجانس . لكن ما يعنينا أن السارد يبدو منحازا نحو قيم الثبات والرسوخ فىالمكان فى مقابل قيم التغيير والنماء (( الأغصان )) ومن ثم وصفهـــــا      بـ " مرداء " جمع " مريد "فى استعارة الصفة الشيطانية لها : " شيطان مريد".
 وفى نص " ترحال" خطاب إلى آخر غائب عن القرية وإن كان حاضراً فى القصة .. يذكره السارد بالماضي وبالطفولة فى القرية ويذكره أيضا بالبلح الذى استوى " ابنة الخالة التي استوت أنوثتها " وحان قطافها "زواجها" . وإن كان مايعنينا هنا تصريحات السارد التى تنم عن توجهه الرؤيوى؛ " كالطائر المسافر أنت ياصديقى ، ترحل من بلد إلى بلد ، تأكل من كلماتك فى زمن الجوع متدثراً بعباءة الحزن فى الليالى الباردة "و.. " المدن تأكل الرجال ياصديقى والشعر قادر على أن يعيد التآكل " . و.. " منذ الصغر وأنت تعشق بنات المدن بلبسهن الضيق " و.. قلت لى إننى سأقرأ شعرك فى شتى الصحف ، ولكن حتى الآن لم نقرأ شعراً ممهوراً بإسمك "
وفى آخر النص بعد أن أتم الرسالة يقول : " فى الطريق تذكرت أن الرسالة لم تحمل عنواناً ، ولكن ربما ... " هى إذن صورة الفتى الضائع فى المدينة / العاصمه .. نداهة العصر التى تغرق الفتيان فى بحرها.. لم تعطه سوى الفقد والغواية والضياع والوهم ، فى مقابل القرية الأم الرؤوم التى تنتظر عودته فاتحة أحضانها بكل حنو الأمومة ورغبة اللقاء، وغير ذلك من دفء العلاقات والمودة المختزنة فى أنوثة بنت الخالة .
فى إطار تعارض منظومتى القيم بين عالمى القرية والمدينه ، أو بين القرية بانغلاقيتها والعالم أجمع يبدوكل ماهو خارجى مهدّد لهذه الخصوصية – تبدو قيم الماضى جميلة ينحاز لها السارد فى مقابل القيم الهجينة/ الحاضر.. هكذا يبدو تمجيد الماضى والحنين إليه هاجساً أساسياً لدى السارد. وكثيراً ما لعبت الذاكرة دورها فى الترامى نحو ذلك الماضى الآسر الأثير بسحريته وقيمه.. تلعب ذاكرة السارد دورها فى نص" الوجوه المصبوغة" : " أقلب صفحات الكتاب المدون فى ذاكرتى كلما آويت إلى مخدعى عندما يصبح سكون الليل قاتلا.." يقلب صفحات الذاكرة / الكتاب فيطالع رجالاً حملوا فوق عاتقهم أن يعيشوا نبلاء.. لهم رائحة النخيل / الثبات  والصلابة فى وجه الريح/ عوادى الزمن/ الرياح .
ثمة تحسر على هذا الماضى الجميل الآفل بكل قيمة، ومظاهر الحياة التى كانت سائدة رغم بساطتها وفقرها فقد كانت جميلة وفطرية : " كانت الخيام كلها مفتوحة وعامرة بنا سها وحتى الغريب يتلم فيها عند آخرالليل ويتعشى معانا .."
يحلو للسارد أن يخاطب هؤلاء الغائبين والميتين المنقوشين فى صفحات الذاكرة مترامياً نحو الماضى الجميل الآفل المجيد بملامحه الأصيلة وناسه الطيبين الذين لم تكن وجوههم مصبوغة , ومرة أخرى يتضح تحيز السارد لهذا الماضى / التراث فى مقابل الحاضر والمستقبل القادم : " ساومنى هذا القادم بأن يحتل صفحة من كتابى ، إلا أننى طويت صفحاتى فى وجهه " وقبل ذلك قال : " لم أكن أدرى أن الرياح التى هبت قادرة على أن تصبغ الوجوه بسهولة .. تغيرت الملامح ، واندثرت القيم " وغير هذا يتضح انحياز السارد فى العنوان نفسه: "الوجوه المصبوغه" فيما يشى بالصنعة والزيف للحاضر فى مقابل الفطرية والصدق للماضى .
 فى نص " البيت الكبير " ثمة رجل عائد لتوه من رحلة علاج بالقاهره كان قد حُجِز خلالها فى مستشفى القصر العينى مدة طويلة للعلاج لكنما وقد ركب قطار   العودة فقد بدأت نفسه تنتعش ، ويزداد انتعاشها كلما اقترب القطار من بلده الجنوبى وكلما هفهفت على أنفه رائحة الحقول .. إلى أن وصل بحمد الله وكان همه أن يفتح البيت الكبير أولا ليعُبّ من مرئيات الماضى التى ستتراءي له عند كل نظرة إلى ركن أوسقف أو ... كان للأسف البيت مغطى بالعنكبوت وأصبح كالثوب البالى .. الزير جف أيضاً وعلق به الغبار.. لكنه استطاع أن يحضر الماء ويغمره إلى آخره ، وهكذا يعود الماء إلى الزير كعودة الحياة بمعناها الحقيقى إلى هذا العائد إلى القرية التى هى الدواء الحقيقى إذ الغربة لم تزده سوى اشمئزاز وإدمان للعقاقير .. البيت الكبير برؤمته وتذكاراته وألفته وما إلى ذلك من التداعيات المصاحبة لرمزية البيت الكبير ..ثمة اعتزاز بهذا الطقس الأسرى القروى الريفى الجنوبى الذى ومهما تهدده الزمن بعوامل التغيير فإن الذاكرة تستعيد ملامحه سريعاً ومن ثم تتداعى أمام النفس صور وخيالات الماضى .. وهكذا هو السارد مصر على العيش فى الماضى والترامى نحوه فى كل مراحل حياته .
إن أقسى ما يؤرق السارد أن هذا الوجود المخصوص مهدد بالفناء إذ   اخترمه الموت كثيرا .
تشيع رائحة الموت فى كثير من النصوص .. الموت كعدو    بغيض هو الآخر رغم أنه حق على الرقاب لكنه يسلب الوجود المخصوص هذا أخص مافيه .. الموت آفة تلتهم الثابت المخصوص الرائع  ، فيما تؤهل البقية الباقية لوجبة المغيب .
فى نص" الغروب " العجوز العليل الذى يدرك أن الغروب / الموت لا محالة قادم لكنه يخشاه.. يتناول لقيمات العشاء ببطء فيما تنطلق صرخات  قوية معلنة موت أحد رفاقه القدامى الحاج"صالح" .. ينام العجوز محزوناً وعند الصباح يمر النعش  أمامه سريعاً .. وفيما كان النعش قد مضى هدّأ نفسه بذكر الله ، وظل جامداً فى مكانه ينتظر الغروب/ الموت .
فى نص" رائحة " تفوح رائحة الموت فيما يختلط الماضى الأثير باللحظة الحاضرة عن طريق الحلم . وثمة تصريح بكراهية السارد للموت الذى يتهدد الكيان الثابت المألوف العزيز" أشم رائحة الموت تعبق المكان ، رمقتها بنظرة حادة، ارتعدجسدها .. لاأحب ذكر الموت  بعد أن جربته مع أعزاء كثيرين من قبل "
هكذا هو الموت مختلف الأحزان ومبدد ألفة الجماعة ومخترم القيم  الأصيلة الشائخة إذ اختطف ولايزال الشيوخ آباءً كانوا أم أجداداً .. الموت إذن عامل من عوامل التغيير ، بل هو العامل الموازى لكل رياح التغيير التى تهب على المكان المخصوص .. لماذايترصد القيم الكبيرة الراسخة التى تعطى للمكان قيمته وللتاريخ معناه وللحياة أصالتها؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍
قد ينزاح الموت عن الكبار فى نص "عروس النيل تغازل الفتيان" ولكنه يظل حدثاً ماضوياً / يخص الماضى، إذ تستدعى الذاكرة صورة من الماضى حيث العجوز التى ظلت لفترة طويلة بجوار الشاطئ تتمتم بكلام مبهم بعدما اختطفت منها عروس النيل فرحتها وتزوجت    ابنها الوحيد "صلاح" .. وهى تحذر السارد/ الطفل من الاقتراب من النهر .. هنالك تذكّر السارد لماذا كان أبوه يصر على عدم ذهابه إلى هناك ، ومع ذلك ذهب وقابل العجوز وتخاطب معها.. هى صورة قديمة تعاود الآن ذاكرة السارد / الرجل .. صورة من شقاوة الطفوله إذ خالف تعاليم الأب يأسف لها الآن وهو يردد: " ولكن إنها شقاوة أطفال ياأبى ! " .
النص بما يحمله من ترامى الذاكرة نحو الماضى الأثير يضع النيل أيضا – هذا الذى يجرى بمياهه نحو الشمال – موضع الخطر.. هو والموت سيان ، إذ تتزوج عرائسه الفتيان وتغرقهم .. حتى الفتيان فى النص هم فتيان الماضى / طفولة السارد .. النيل إذن لم يكن أكثر من مصدر للخير يضن به على الجنوب ومصدر خطر وأحزان يصبها على رأس الجنوب .
"الحزن" هو غلاف الرؤية وموئلها وموردها .. لاتخلو صورة منه ولامشهد..لم يعد من شئ مبهج والوجود مهدد فى كيانه المخصوص .. فيما تشيع فيه كل مظاهر الفقر والمرض كمشترك أعظم بين الناس .
فى نص "حرمان" الطفل اليتيم الحزين الزائغ الشارد صاحب الأحزان الرمادية – على حد تعبير السارد، ولست أدرى ما قيمة الرمادية مع الأحزان  إذ المفترض أن كل الأحزان رمادية أوسوداء وغير ذلك ليس وارداً ومن ثم فالمفردة تحصيلاً ضعيفاً لحاصل قوى – الأحزان الرماديةهذه ناتجة عن فقد الطفل / التلميذ لأمه . وفيما يمسى يتيماً يقرأ كتب حياته ذات العناوين المختلفة من الحزن والحرمان – كما يصرح السارد – يستشعر المعلم / السارد أن حالة الطفل هى نفس الحالة التى مر بها يوم أن  فقد أمه إثر مرض عضال عجز الطبيب عن شفائها منه وفاضت الروح وسكن الجسد تماماً – على حد تعبير السارد، ولست أدرى ماقيمة سكن الجسد بعد فاضت الروح ؟ ! – وهكذا هو الحزن حبلٌ سُرىٌ يصل الأجيال جيلا بجيل ، غير أن الأحزان تتزايد وتنمو ، حتى لأن الأجيال الأكثر حداثة فى الزمن أتعس حظاً وأكثر حزناً من الأجيال السالفة الغابرة ومهما يقال أن ظروف معايشها كانت قاسية.. إنها رغم ذلك كانت الأسعد والأقوى .
ملمح القوة فى نص " النخلة السكوتى " والبقاء للأقوى ويفوز باللذات كل قوىّ ويتزوج  بـ " هند " الفتاة الجميلة ذات الأوصاف الحسية المناسبة لإشباع شهوات رجل بدائي بطل ، الفحولة والقوة من أوليات البطولة .. والاعتزاز بالفحولة  والقوة الجسمانية من سمات المجتمعات البدائية عموماً.. الجسد القوى هو الأداة التى يواجه بها الإنسان البدائى الحياة والعدو ويكتسب بها مكانته البطولية وهو وسيلته لكسب عيشه .. وهذا هو منطق الأب الذى رفض أن يزوج  ابنته" هند " إلا لمن  تثبت عنده هذه القوة الخارقة التى تؤهله لصعود النخلة السكوتى . لكنما البطولة نادرة فى الأجيال المعاصرة حسب رؤية السارد ..الجيل الحاضر لم يستطع – رغم كثرة المنافسين – غير واحد فقط منه صعود النخلة السكوتى .. ياحسرة على أيام زمان ، كان كل الرجال والشبان يصعدون – ولاشك – النخلة السكوتى ! .
قيم الماضى هى ألأكثر لمعانا فى ذاكرة السارد ، والدليل فى نص " الخالة نعيمة " كانت غريبة عن النجع جاءته ملفعة بسرها وعاشت فيه كواحدة من نسائه ، لم يؤذها أحد ، بل تعاون معها الأهالى وتقدم لها كثيرون راغبون فى الزواج ، لكنها كانت ترفض .. عاشت حياتها جارة لأم السارد .. شريفة عفيفة يتراحم معها الناس ويرسلون لها الزكاة التى كانت تشترى بها دهاناً للمفاصل وتوفر الباقى لشراء كفن .. كانت أختاً للجميع ومعينة لهم بقدر ما أعانوها .. هى الآن تعترف للسارد بعد موت أمه : " أمك كانت أختى وحبيبتى ، الله يرحمها... !! .
بعدما ماتت اشترى السارد قطعة أرض صغيرة فى أول البلد وبنى عليها مبنى صغيراً به سبعة " أزيار " يشرب منها العابرون وكتب عليه: " الفاتحة لصاحب السبيل المرحومة نعيمه "
إن قيم السارد / الوفى هى نفسها قيم النجع .. له نفس الأخلاق والسمات وملامح الأهل . هو فى كل النصوص يؤكد أنه واحد من أهالى النجع وهو حامل لكل صفات الأصالة والكرم مثلهم .. هو حامى الأعراف والقيم .. هو منحاز بشده لتراث المكان وشخوص قصصه القرويين ومنحاز لماضيهم ولقيمهم الثابتة غير أن شخصيته محيطة عليمة بكل أحوال شخوصه واسع المعرفة بماضيهم وحاضرهم،  ممجد للاتجاه المحافظ الذى يعترف بقيمة الفرد متى ماكان محافظاً أكثر ومتى ماكان مدافعاً أكثر عن قيم الجماعة ومتى ماكان مقاوما ً أكثر لكل قيم التغيير صادا ً لكل عدو خارجى يستهدف الثبات .
وهو رغم هذا حزين لأن كل القيم النورانية تهرب منه .. الفجر لايزال بعيدا ً فيما تنتشر كل دلالات الوحل والعتمة والبرودة والسماء المجنونة والصفحة المعتمة والأرض المليئة بالحفر العميقة .. يسير فوقها السارد فيتخبط ، تفزعه رغم ذلك أصوات الوحوش الضارية التى تتخذ من المكان مأوى لها .. فلا يكاد يعثر على جسده إلا ملتصقا بجذع شجرة جرداء ،خاوية الأوراق - حسب تعبير السارد ! – إنها الرؤية الكابوسية التى تشيع فى نص " الفجر الهارب " والتى استخدم فيها السارد تقنية حداثية كالمنولوج الداخلى باعتبار أن هذا النص وإلى حد ما يقع فى إطار تيار الوعى .
فى هذا الطقس البيئى المخصوص لعالم السارد تشيع كثير من العادات الخاصة كما تشيع الخرافة وينفتح الخيال الشعبى على أوسع مدى على عالم الجن والشعوذة والأساطير . وفى كثير من الأحايين تتدخل قوى خفية قدرية أو غيبية لتحمى إنسان هذا العالم/ المكان المخصوص من الشرور التى تترصده .
فى نص " الحلم المعبق بدخان البخور " الطقس الليلى المشعشع بضوء القمر حيث الرجل الفقير الأجير .. هو أب لخمسة أولاد عاد يحمل فأسه بعد كد يومه وجلس فى صحن الدار يستعجل زوجته التى تنق كضفدعة طالبا ً العشاء . وفيما كان الهم والشقاء والجوع يتكالبون عليه تترصده " عقرب " .. على ضوء المصباح الشاحب يلمحها أحد الأبناء فيقوم الأب ويبطها برجله الحافية ..ينجو الرجل من العقرب ليخلص فيما سيلى من ليل طويل لمهمة أخرى تتم فى حلمه ، حيث ينفتح النص على اللاوعي وينقل لنا مايدور فى أحلام الرجل الذى لم يعد أمامه غير أن يحلم بكنز أثرى فرعونى وهنالك نطالع الخيال الشعبى عندما يصوغ أحلام هذا الرجل ويغلفه بطقس خرافى بديع ، فثمة مقابر فرعونية محوطة " محروسة " بسياج سحرى من عالم الجن لايمكن اختراقه إلا بالسيطرة على الحارس الجنى وحسبما جاء كان الحارس الجنى ثورا ً هائلا ً كاد ينقض على الرجل لولا أنه كان يصحبه شيخ قادر على إبطال السحر بالبخور والأدعية ويستمر الحلم حتى آخر مدى مع الرجل الذى تبدل حاله وأصبح من الوجهاء قبل أن يصحو من النوم .
فى نص "هاتف " تبدو العقرب – أيضا – كشخصية رئيسة فى القصة ، خرجت من جحرها مع بزوغ الشمس فى باطن الجبل تبغى أداء دورها الطبيعى فى اللدغ  ، وإفراغ سمها فى أى كائن تصادفه حتى أنها لم تصادف غير جوال محشو بالقش ، وفيما نقل أحد الرجال الجوال إلى الشاطئ الغربى للنهر فى مركبه وارتاح بجسده تحت شجرة معمرة تأهبت العقرب للحركة واقتربت من الرجل الذى كان قد نام . وهنالك يتدخل القدر إذ تجمعت كل الأرواح وأظلت  المكان ومن ثم انتشرت رائحة طيبة كرائحة المسك وعلى حين غرة يهبط ثعبان ضخم من أعلى الشجرة ينقض على العقرب ويبعدها عن الرجل ، لم تكتف القوة الروحية الطيبة القادمة من مقابر الأجداد الطيبين الراقدين غرب النيل .. لم تكتف بإبعاد العقرب وحسب بل دخلت إلى لاوعى الرجل النائم وهتفت فى  منامه تخبره بما حدث .
وفى نص "عباد الشمس " يبدو السارد متعاطفا ً مع وضعيات الأهالى الطيبين البسطاء المعدمين مركزا ً على إظهار وضعياتهم المزرية وهم يحاولون نقل السباخ من أسفل الجبل " رمال ناعمة مختلطة بالآزوت والفوسفات " ينقلونها إلى زراعاتهم .. وفيما بدا العمل شاقا تحت الشمس يتآمر الجبل على هؤلاء الكادحين وينهار عليهم .. حدث جلل لاشك ، خرج على إثره الأهالى جميعا ً إلى الجبل يحاولون رفع صخوره وترابه من فوق الأجساد ، وفيما كان كل شئ يشوى الوجوه والأبدان ينصرف الأطفال إلى ترطيب أجسادهم فى الترعة التى تَعُدّ لهم هى الأخرى كمينا ً من ديدان البلهارسيا .. هكذا هى الطبيعة تتآمر أحيانا ً على البسطاء لتزيد من معاناتهم .. وليبق عباد الشمس ذابلا ً بلا سباخ فيما يبقى الناس تماماً تماماً كعباد الشمس بلا رمق يسد حاجاتهم ،تسيج حياتهم الأحزان وإلى أمد مفتوح .

   (  1  -  2  )
فيما استعرضنا من خمسة عشر نصا ً بدا السارد وإلى حد كبير واقعا ًفى نظرته إلى الحياة عند مستوى الضمير والطبيعة والفطرة متمتعا ً بأخلاقيات العزلة والانغلاق مكتفيا ً بنقل التراث  بهدف المحافظة عليه دون أن يحاول أن يتخطى ذلك إلى مهمة نقدية رؤيوية مجددة تجاوز الماضى أو تعلو على المعايير البالية .
لم ينفتح بوعيه على مستوى آخر من الحياة – تحتى أو فوقى –يتجاوز به حدود الجماعة المغلقة .. مستوى يتسم بتوجه إنسانى ملئ بالحركة والخلق والإبداع المجاوز لمستوى الطبيعة والضمير إلى مستوى العقل ، ذلك الذى بدا أبعد ما يكون عن حياة أهالى النجع الذى تدور الأحداث القصصية فيه .
السارد فى هذه النصوص متناغم مع جماعته واقع بالضرورة فى إطار واحد معهم إذ لايشعر بأى غربة نفسية أو أى أثر نفسى لنبذ أو خلاف متبادل بينه وبين الجماعة التى يقص آثارها .. لايوجد بينه وبين الجماعة أية عزلة لأسباب أيدلوجية أو فلسفية أو ثقافية، ومن ثم فلا وحشة لديه ولا مشاعر لخوف أو توجس أو قلق أو شعور بالوحدة ومن ثم فهو – وإلى حد كبير – يبدو كواحد من هؤلاء الذين يقص عنهم من أهالى النجع .. واسع الاطلاع على حياتهم حالهم ومآلهم ماضيهم وحاضرهم .. متعصب لتراثهم ، منحاز لثقافاتهم وعاداتهم مدافع عن قيمهم ضد هجمة التحديث والتجديد .. ضد الوافد .. ضد التمدين ضد الأفكار والثقافات الخارجية .. الخارجى بالنسبة له عدو .. والخارجى هو مايخرج عن الاطار الجغرافى والثقافى والتاريخى للنجع ، لهذا بدت المدينة عدوا ً لأن النجع ريفى وبد ا الشمال عدوا ً لأن النجع فى الجنوب ، ويبدو الأشخاص الذين تغربوا عن النجع وعادوا شياطين مردة .. النجع رغم فقره وقرفه بدا جنة ودواء للعليل وحصنا ً وملاذا ً للضالين ممن شاء حظهم التغرب عنه .. ماضى النجع أثير وحاضره منبوذ هجين لأن ثقافات وعادات الناس تلوثت وتبدلت .. كل عجوز نبراس وفاضل وعمدة فى موضعه وفى كل تصرف ، لاقيمة لأي غرس أو نبت أو أية بادرة جديدة تمتّ إلى الحاضر الذى يسير به الزمن إلى الأمام  / الحضيض .
والسارد فى كلّ منفتح بوعيه على وعى الجماعة المغلقة هذه وإن بدا أنه أعظم من أية شخصية أخرى فى الجماعة فهو الواعى بالماضى والتراث وهو الخبير بعلات الحاضر وهو الذى يقوم بدور بطولى محافظ على القيم مسجلا لملامح الماضى الذى يوشك أن يندثر وهو الخبير بما فى صدور  أشخاصه ورؤوسهم ويعلم حتى أحلامهم وهو الذى يرى مالا يراه الناظرون فقد رصد حركة الأرواح وهى تتشكل وهى تمنع العقارب من لدغ الطيبين وهو الذى رصد حركة الأرواح وهى تهتف فى صدر النائم لتخبره بما حدث أثناء نومه .
اعتمد السارد فى تشكيل العالم القصصى من حوله على الكم المعرفى الهائل بشخوصه وبيئتهم ونفسياتهم . كما اعتمد على تعارض منظومة القيم التى يؤمن بها مع الحاضر ومع الثقافة الوافدة من المدينة أو من دول النفط ومن العالم كله بالتالى . هذا التعارض شكل رؤية السارد ونظرته إلى الحياة فى إطار جماعى ضيق محافظ . كما أنه – التعارض – جعل منه صاحب رسالة اجتماعية يقف فيها أمام الجماعة ليدرء عنهم هجمة الثقافات الوافدة ورياح التغيير ويكشف فى الوقت ذاته عن وضعياتهم المزرية أمام عالم خارجى طاغ ٍ يستأثر بالحياة لنفسه .

   (  2  -  1  )
لاشك إن وضعية السارد على نحوما سلف ووسائله التى اعتمد عليها لإدراك  العالم القصصى يثيران إشكاليتين رئيسيتين :
أولهما : تتعلق بالرؤية المطروحة    والثانية تتعلق بالفن القصصى نفسه .
وسنحاول أن نخوض مع الاشكاليتين كل على حده .
1       -  التى تتعلق بالرؤية :
                                          الرؤية من وجهة نظر الكثيرين هى المرتكز الأول للنظر فى الإبداع كقيمة ، إذ لاقيمة لأى عمل فنى يركز على عناصر  الجدة ، أو حتى الجمع بين عناصر قديمة فى ثوب جديد مالم يتم ذلك وفق رؤية جديدة تقدم نفعا ً أو فائدة . فكثير من سلوكيات المرضى النفسيين أو العصابيين تبدو جديدة لم يسبقهم إليها أحد ، ومع ذلك لايمكن أن نعتبر هذا السلوك منهم إبداعا ً ، لأن سلوكهم ذلك يبدو بلا معنى . فالجدة إذن أحد عناصر الإبداع وليس هى الإبداع نفسه . إذ لابد من بعض المحكات أو المعايير الأخرى التى يكون عندها العمل المبدع " بفتح الدال" ذا معنى ومغذى وله هدف إيجابى نافع ، ومهما يقال إن هذا قيد على الإبداع فلا دليل غيره للتمييز بين ماهو إبداع وما هو زيف .
فى إطار هذه النظرة إلى الإبداع يمكننى النظر إلى الرؤية التى يتضمنها العمل الإبداعي باععتباها الممكن الأكثر وجاهة للحكم على إبداعية العمل الإبداعي .
 ومعيار الجودة فى أية رؤية هو مدى اقترابها من قيم انسانية عامة وبعدها عن قيم المجتمع المغلق على إطار اجتماعى معين . . وهىمجاوزة لأية أصولية عمياء إلى أفق إنسانى عام أرحب ، أو بالمعنى هى المجاوزة لكل قيم الانغلاق أو الأخلاقيات المغلقة إلى ألأخلاقيات المفتوحة النامية والقيم الإنسانية العامة تنظر إلى الحياة نظرة شاملة تعى طبيعة الحياة المطردة التغير والتطور .
فى ضوء هذا يمكننى النظر إلى الرؤية المطروحة فى نصوص مجموعة " وجوه مصبوغة " باعتبارها مقاومة للتغيير ومتجهة نحو أخلاقيات العزلة .. وجهة جعلت مهمة السارد تسجيلية أكثر منها رؤيوية أو إبداعية وهو يحقق فى كلّ ٍ دورا ً اجتماعيا ًيعزز به من قيم الانتماء للمكان المخصوص وهو يقيض على ملامحه وعادات أهله وطبيعة إنسانية . هذا هو الدور التسجيلى السائر فى الاتجاه المحافظ ، واقع فيه تحت ضغط الجماعة المحافظة التى تقر كل من يبقى على عاداتها وأعرافها  ،إنه أيضا نوع من الدفاع عن الكيان الخاص والعزلة الجميلة ، كما أنه إخلاص لماضى الجماعة وجذورها ومآثرها ورغبتها فى المحافظة على الثبات ونبذ التغيير ومقاومته .
هذا الدور التسجيلى يتم فيما تتجه بنا الرؤية على المستوى الأعمق نحو الانسلاخ من الآخر / الكل المتنامى نحو المستقبل ..تسمه بالعدوانية والشر معززة كل قيم اللا انتماء للكل الموحد / الانسانية لتنحو بنا نحو أصولية ما فى برارى الماضى الآفل .. إنها رؤية تداخل الحياة بالظهر وهى تزعم سيرها إلى الأمام .. الماضى هو المأمول فى الحاضر .. والحاضر هو الهجين الذى قد أتى .
هذا .. وهى فى النهاية رؤية " مفرد " تدعى صيغة الجمع .. إذ تبحث لها عن مشروعية التواجد وسط مجموع منغلق إذ تتبنى قضاياه وتنفتح بوعيها على وعيه . لا اشكالية فى هذا وإنما الاشكالية أن كل شئ كان ضيقا مغلقا ً مغلقا ً .. رجعيا ً محافظا ً محافظا ً والإبداع أو الرؤية الإبداعية تأبى كل هذه الصفات مجموعة أو مفردة .

   (  2  -  2  )
    الاشكالية التى تتعلق بالفن القصصى . ينظر إليها هنا باعتبارها : إشكالية وضعية السارد فى علاقتها ببنية النص .
وفيما استعرضنا من خمسة عشر نصاً انفرد السارد بالتواجد الكمى الأعظم مسيطراً على السرد والأحداث بضمير " الأنا" التى تعتمد على ذاكرتها لتنقل لنا أحداثا من الماضى البعيد . ورغم أن القص بضمير " الأنا " إلا أن الأحداث كانت ترتكز على "الأنا المجموع" فى علاقته "بالأنا"  الفرد . كأن يقول مثلا " أما ونحن صغار فلم نستطع تحمل هذا الوهج ، عدنا إلى الديار ومنها إلى الترعة ، خلعنا ملابسنا وألقينا أجسادنا النحيلة فى مائها غير مهتمين بالديدان اللعينة التى تأكل الكبد وتدمره- " نص " عباّد الشمس " . الملاحظ على السرد هنا أنه بضمير "نحن" لكنه فى الحقيقة بضمير "الأنا " التى تتلبس المجموع لأن السياق بعدها بضمير " الأنا " إذ يقول : " عبادالشمس الذى أعشقه سيموت إن لم يجد سبخا ً " ويستمر السياق هكذا حتى نهاية النص . الملاحظة الثانية أن السرد يتم بواسطة الذاكرة التى تستعيد الطفولة ولا أظن أن الأطفال يعون أن ثمة ديدان فى مياه الترعة وأنها تأكل الكبد وتدمره ، ولكنها معلومات السارد الواعى الذى يسرد وهو ناضج .والموضوعية تستوجب عليه أن يقص بأمانة ،والأمانة تقتضى تخليص السرد من أية معلومات مفروضة على لحظة الحدث . فثمة لحظة للحدث ولحظة أخرى للقص وبينهما مسافة طويلة من الوعى والخبرة .
غير ذلك بدت "الأنا المجموع " فى النصوص مُصَمّتة تماما ً عن الفعل والحركة والحديث إلا بالقدر الذى سمح به السارد فى مواضع محددة .
فى سبعة نصوص هى " صورة متأرجحة – عروس النيل – رائحة – الخالة نعيمه – حرمان –الفجر الهارب – الوجوه المصبوغة " بدا العالم القصصى مغيباً فى النص القصصىوإن كان حاضرا ً فى القصة .. مغيباً تماما ً لأنه- ولسبب أساسى -فى خبر كان ، إذ كل الأحداث تمت على وجه التقريب فى الماضى فيما كان الراوية ينقل الأحداث معتمدا ً على ذاكرته فقط ، ومن ثم فكل ما تم من  حوارات بين الشخوص كان أيضا ً خاضعاً لحركة الذاكرة ودرجة استحضارها لبعض الحوارات الدالة فى المشهد القصصى ، وهى فى معظمها حوارات بدت فى النصوص بمستوى واحد وكأن المتحاورين شخص واحد وليسو شخوصاً كثيرين .
مما يؤكد أن الحوارات جميعها خاضعة للأنا السارد ولطغيانها ولقدرتها على صنع الحوارات بدلا من المتحاورين ، وهذا أيضاً يؤكد أن الشاعرالسارد يصنع قصصه ولم يعشقها الأمر الذى يفقده مصداقيته إلى حد كبير .
فى نصوص كثيرة مثل : " البيت الكبير – الخالة نعيمة – رائحة – عروس النيل " كانت الحوارات تتم بين السارد وآخر / آخرين كانو افى حياته يوما ً ما أو بالمعنى هم مغيبون عن لحظة آنية للقصص ، وهذا ما يؤكد أن السارد شفط العالم بداخله ،ثم...وإنه يعيد نضحه وفق منطقه الخاص وبالدرجة التى تقتضيها ذاكرته إذ لااشتراطات لأى حدث آنى  ولا اشتراطات لأية شخصية .. كل شئ يتم وفق حركة ذاكرة غير محايدة فى كثير من الأحايين  ، وفيما خلا نصا : " صورة متأرجحة – حرمان " من أى حوار جاء نص" الفجر الهارب "كاشفاً عن نوع من المنولوج الداخلى الذى يبعد فيه السارد عن الأنا المجموع تماما ً ليدخل بنا فى إطار " الأنا الفرد" التى تبحث عن حلمها الضائع مقترباً إلى حد كبير من التجربة الذاتية كأحد ملامح النص الحداثى .
بينما جاء نص " الوجوه المصبوغة " متضمناً حواراً من السارد إلى آخرين مغيبين .. هو يخاطبهم وهو مغيبون عن المشهد ومن ثم لم يكونوا يردون .
فى بقية النصوص يستمر السارد فى تغيب الشخوص رغم أنها جاءت بضمائر أخرى غير الأنا كما فى نص "ترحال " إذ السرد يتم باستخدام ضمير " أنت" المخاطب الغائب عن القرية يخاطبه الراوية عبر الخطاب المزمع إرساله أى أن المخاطب غائب عن لحظة القص بيد أنه حاضر فى ماضى السارد وذاكرته وذكرياته أى أنه حاضر فى القصة بأحداثها المستقلة – كما سبق التوضيح – بيد أنه غائب عن لحظة القص الآنية .
فى نص " النخلة السكوتى " المخاطبة " أنت " حيث " هند " الحاضرةفى لحظة القص ولكنها ومن أسف ٍ مُصَمّتة  تمارس الاستماع فقط " استماعا نبيلا للسارد الذى صمّتها  أى غيبها رغم حضورها . وما عدا ذلك فى نصوص : " أغصان مرداء – الغروب – هاتف – الحلم المعبق " كان القص يتم بضمير الغائب .
نستنتج مما سبق ومن طريقة السياق السردى واستخدام الضمائر أن السارد مارس فعلاً أساسيا ً باتجاه تغيب العالم وتصميته إما لأن العالم فى زمة الماضى أو لأنه غائب عن لحظة القص أو لأن السارد عيبه وصمته عمدا ً مثلما فعل مع هند . فيما انفرد السارد وحده بالحضور فى كل ٍ منفردا ً بالتواجد الكمى الأكبر والمسيطر فى السرد والأحداث ، سامحا ً للندرة النادرة من شخوصه بالتحاور وفق منطق ذاكرته هو لاوفق إرادة الشخوص إذ هم فى الحقيقة فى عداد الماضى  أو الموتى أو مغيبين أو غائبين أو مصمتين .
هذه الوضعية من السارد بالنسبة لشخوصه فرضها عليه تقديسه للماضى ورغبته فى نقل هذا الماضى من ناحية ومن ناحية أخرى لاعتماده فقط على ذاكرته فى كثير من النصوص . إن وضعية السارد هنا لها علاقة مباشرة بالقيم المثبوتة فى النصوص / الرؤية . ولو كان السارد معنياً بالحاضر والمستقبل مثلاً لاستوجب ذلك لحظات آنية حية للقصص ولخفف كثيراً من سطوة الذاكرة ولوجدنا شخوصا ً يمارسون الحياة. من ناحية أخرى وغير طغيان السارد وغير تغييبه للعالم والشخوص وجدنا السارد يعطى نفسه حق الدخول إلى رؤوس وصدور الشخوص مطلع على أحلامهم ينقلها لنا وأحيانا ينقل دواخل الشخوص ونزعاتهم ورغباتهم وأحياناً لايكتفى بوصف أفعال الشخصية وإنما كان يفسرها ويبررها . الأمر الذى نجزم معه أن الراوية كان أكبر من أى شخصية وهو يمارس سطوته عليهم .
وفى تساؤل آخر : أحياناً كان السارد يسرد عن نفسه هو بضمير الأنا .. ألا يعتبر ذلك تساوياً بين الأنا السارد والأنا المسرود عنهه ؟ . وللاجابة : أقول لا .. لم يتحقق ذلك إلا فى نص " الفجر الهارب " وما عداها كان الأنا السارد أكبر بكثير  من الأنا المسرود عنه لأن السارد إنما يسرد الآن وهو كبير بالغ ناضج خبير  فى حين أن " الأنا" المسرود عنه كان يمثل فى غالبية النصوص الأنا / الطفل . ومن ثم فلا تساوى بين الأنا السارد والأنا المسرود عنه .
نخلص من هذا أن السارد كان أكبر بكثير من جميع شخوصه مسيطراً عليهم كعرائس المولد أو كالدمى . وهذا مايحقق  "الرؤية من الخلف " على غرار كل الرواة التقليديين حيث الراوية العليم الخبير بكل شئ .. الراوية الذى شفط العالم بداخله وأصبح أدرى بالعالم من العالم نفسه ولا دور لعملية إعادة بناء العالم مرة أخرى عبر النص إلا للسارد فقط .
هى وضعية تقليديه جداً بدأت تتلاشى فى عالم القصة الحديثة وإن كانت مناسبة هنا فى مثل هذه النصوص التى تطرح رؤية محافظة تقليديه على نحو ماسلف الحديث عنها .
غير أن مزالق هذا الراوية / السارد كثيرة وما يشوب وضعيته هذه فى النصوص كثير وكثير  ألخص بعضاً منها فيما يلى :
أولا :   اللجوء إلى التبريرات والتفسيرات الزائدة عن حاجة القص والعالة على الحدث فى بعض الأحيان .. هى أجزاء سردية تخلو وعلى نحو أكيد من الدراما مثل :
فى نص " الحلم المعبق " : " تخلو الشوارع من الدبيب حيث الجميع أدمن تناول العشاء"   وفى ملحوظة  أولى : لاقيمة لما فوق الخط لا لأنه تفسير زائد وحسب بل لأنه بلا معنى فى الأساس ، فكل البشر مدمنون للعشاء ومع ذلك لاعلاقة بين إدمان الناس للعشاء وخلو الشوارع من الناس فى  أية قرية أو مدينه . الملحوظة الثانية إن ما فوق الخط غير دقيق لغوياً إذ مفرده " أدمن "  صحتها " أدمنوا" .
فى نفس النص يقول : " قضى يومه كالعادة أجيراً يكد تحت وهج الشمس ، من أجل أن يسد رمق أطفاله الخمس "  
وفى نص " أغصان مرداء " : " ربما تعود الطيور إليك بعدما تتوارى الشمس وراء الأفق ، لأنها لابد من العودة مهما طال الغياب "    وهذه عينة ضئيلة فوق الخط من نماذج كثيرة متفشية فى النصوص .
ثانيا :   الثرثرة : وتعنى الاهتمام بالتفاصيل التافهة الذائدة عن الحد أو التى لاتلزم الحدث ولا تسير فى اتجاه نموه أو ذكر ماهو معلوم بالضرورة أو استصدار بعض الأحكام المسبقة على الحدث أو الأحكام الخاصة بالسارد المصادرة لعملية التلقى وتحصرها فى نطاق ما يتوقع السارد لها مسبقا ً .
مثال : فى نص "رائحة ": " اقتربت منه وقبلت يده ، أخذت منه الكوب ، وحيث الزير توجهت .. رفعت الغطاء من فوق فوهته ، لفحت وجهى رطوبته الباردة ، غمست الكوب داخل مياهه ، ناولته الكوب .. شرب " لست أدري ماقيمة كل هذه الجزئيات من تفاصيل ملء كوب من زير ؟ ! وما علاقتها بالحدث الذى يتمحور حوله القص ؟
وفى نفس النص أيضاً : " زوجتى تعودت أن تصلى الصبح قبل طلوع الشمس ، ثم تدخل الحوش ، وتحلب البقرة الوحيدة " هذه الأجزاء وغيرها فى هذا النص تحديدا لو بترت لما تأثر النص ولما شعرنا أن السياق ينقصه شئ ، بيد أنها جاءت تحقيقاً لرغبة السارد فى الثرثرة حول تفاصيل تخص عالمه الأثير الذى ينتهز أية فرصة للحديث عنه حتى ولو لم يكن الحديث واجبا ً .
ومثال ذلك مافوق الخط فيما يلى :
 من نص "هاتف " : " يغط الرجل فى نوم عميق تحت شجرة الجميز التى غرسها أجداده  الذين تتراص مقاماتهم فى مقدمة جبانة النجع ، يستيقظون كأشباح بيضاء ، تختفى هذه الأشباح عندما يصحو أهل النجع لصلاة الفجر .  
 وفى نص "عباد الشمس " : " على حين غرةٍ تآمر الجبل الوغد " و .." باحثين عن السبخ الذى يطعمونه لزروعهم  كى تجلب لهم الخير ، فيأكلون ويطعمون صغارهم "   
فى نص " أغصان مرداء " : " تجردت الأغصان من الأوراق وأصبحت جرداء "
فى نص "الفجر الهارب " : " وأجد نفسى فى عرين أسدما  أو بين أحضان النمور الشرسة "
و " صوت قوى ، ترتجف لهُ أوتار أذنى ، إنها النجدة  وسرعان مااستطاعت أذناى فك طلاسم هذا الصوت  "  و.. " ذابت الأصوات مع عاصفة من الرياح  يبدوأنها قادمة من مكان بعيد "
وهذه عينة يسيرة وغيرها كثير وكثير .
ثالثا :  الخروج عن لحظة القص وتمديد الزمن إلى أبعد من لحظة القص كأن يخرج إلى مجمل حياة الشخصية كما فى نص "الحلم المعبق " حاول عن طريق الحلم الذى رآه الرجل الفقير أن يسرد واقعات ماسيحدث فى المستقبل لحياة هذا الرجل على المدى الطويل فى حالة عثوره على الكنز إلى أن يقول : " وسار الحال غير الحال ، وبدل قميصه البالى وسرواله المترهل بثياب أنيقة وأصبح الأجير سيداً" مثل هذا التمديد فى الزمن الذى أقتطع منه جزئية هنا قد يجد البعض له تبريراً فنياً بأنه تم فى الحلم ويظل   الحلم رهن اللحظة القصصية التى ينام فيها الرجل .. هذا صحيح وربما هو تبرير جيد لو كنا أمام حلم بالفعل .. ولكن الحقيقة نحن أمام السارد نفسه وهو يحلم للرجل .. لقد أعطى السارد الشخصية أجازة مفتوحة وراح يحلم بدلاً منه .. حتى اللغة هنا لم تكن لغة حلم ، بل كانت لغة خاضعة للوعى التام للسارد ، وخاضعة لمنطق الواقع واشتراطاته ولا تخص اللاوعى فى شئ .
فى نص  " ترحال " لحظة القص أيضاً تركز على مخاطبة السارد لآخر غائب .. الخطاب القصصى إذن يتم عبر خطاب مكتوب .. يكتبه السارد لصديقه الغائب والمفترض أن نهاية الخطاب هى نهاية القصة خضوعا ً لمبدأ الحدث الواحد واللحظة الواحدة " مبدأ الوحده " الذى هو جوهرى فى القصة القصيرة . نجد السارد فى نهاية النص يقول : " فى الطريق تذكرت أن الرسالة لم تحمل عنوانا ً ولكن ربما ... "
وهذه عينة أيضا ً وغيرها كثير وكثير .
رابعا :  تراتبية الزمن أفقياً وترتيب الأحداث وفق نظام رتيب خضع الساردفيه لمنطق الواقع ، ولم يخضع لمنطق فى ترتيب الأحداث أفقيا حدث وراء حدث وهو يمارس الرؤية من الخلف لأشخاص مغيبين .. لقد فرضت عليه وضعيته منطقا تقليدياً فى ترتيب الأحداث . مما أدى إلى كسر التفاعلية المطلوبة فى النصوص التى يمكن أن تحدث عن طريق التداخلات أو تعدد الأصوات والمنولوج والتذكر والحلم والتداعى والاستباق والاسترجاع وما إلى ذلك من حيل فنية يمارس من خلالها السارد تشويه الزمن بطريقة مخصوصةِ يمارس فيها الحذف والبتر والتوقيف والاسراع والابطاء وما إلى ذلك من وسائل تشويه الزمن ، لقد جنب السارد كافة الحيل الإبداعية رغم أن اللحظات كانت مناسبة تماماً لكسر تراتبية الزمن  خاصة وأن السارد اعتمد على ذاكرته فى كثير من النصوص .
هذه التراتبية فرضت على السارد أسلوب سرد يعتمد على الربط الصارم للأحداث وهى تتوالد من بعضها وتترتب وفق منطق يجنب أيضا كافة الحيل الأسلوبية من ناحية ، ومن ناحية أخرى يعتمد على حروف العطف بشكل فاقع . وقد أمكننى قراءة كثير من النصوص بدون حروف العطف هذه وكانت القراءة أميز باتجاه كسر رتابة الأحداث ، ونمطية حدوثها . كما أحدث الاستغناء عن حروف العطف بعض الحركة فى توالى الأفعال بشكل منفصل من خلال جمل قصيرة نسبياً . وهذه دعوة للقاص لاعادة النظر  فى كافة حروف العطف التى استخدمها عالة على الأسلوب وفى كافة النصوص، الأمر الذى أدى إلى تمدد الجمل طوليا ً بشكل غير فنى يبحث عن الترابط والتراتبية والبطء لا الرشاقة والحيوية والحركة .
خامسا :  الحوارات المجانية التى جاءت للاستهلاك المؤقت المجانى وفى أحسن الاحتمالات لملء الفراغ أو  لإضفاء مسحة الواقعية على الأحداث . وهى مسحة ولاشك غير مقنعة.. مثل الحوار الذى جاء فى نص " البيت الكبير " بين الرجل المريض المحجوز فى مستشفى القصر العينى ، وزوجته التى جاءت لزيارته :
-         الطريق بعيد والعيال صغار .. سامحنى يا أخوى مش حقدر آجى تانى .
-           مش مهم ، خلى بالك من العيال ، وشدى حيلك
-           الشدة على الله ، الحى يتقابل
                                               ...وهكذا دواليك .
( 3  -  1  )
ملحوظاتى على لغة السرد كثيرة ؛
أولها : عدم الدقة اللغوية فىاستخدام المفردة وفى استخدام حروف الجر. .مثال ذلك :
فى نص " البيت الكبير " :  " تتخيل لى الأشباح " والدقة تستوجب " تتراءى " لأن الأشباح  لا تتخيل وإنما الآخرون هم الذين يتخيلونها .  وكذلك فى نفس النص : " يتماوج الهواء المحبوس ويتأهب إلى الخروج  "   ودقتها " للخروج "
فى نص " الفجر الهارب " :  " ملتصق بجذع شجرة يبدو أنها خاوية من الأوراق " والدقة تستوجب " خالية " بدلا من " خاوية "  فالخواء يتم فى التجويف عندما يصبح الشئ خالى الجوف فيصاب بالخواء
وفى نفس النص : " وأجد نفسى فى عرين أسدما ، أو بين أحضان النمور الشرسة " والعبارة تستوجب حذف " ما " من أمام " أسد " واستبدال أحضان بما يناسب النمور مثل " براثن أو مخالب "  أو ما شابهها أما مفردة " شرسة "  فهى تحصيل لحاصل  إذ لاتوجد نمور غير شرسة .
وفى نفس النص : " ما استطاعت أذناى فك طلاسم هذا الصوت الذى يخلو من الحروف الأبجدية " والمعروف أن كل الأصوات تخلو من الحروف الأبجدية ما لم تكتب وما دمنا بصدد  سماعها فالصحيح أنها تخلو من وقع الحروف أو إيقاعها أو مخارجها أونبراتها أو جرسها أو إيقاعها أو ما شابه ذلك  .
وفى نفس النص : " سرعان ما خطف بصرى شعاع نور يظهر على بعد عميق "والصحيح " يظهر عن أو من بعد " أما مفردة" عميق" لاتناسب المسافة هنا والأنسب" سحيق " وفى نفس النص " رفعت جسدى الممدد وأنا فى حالة عدم توازن "  وصحتها "اتزان " لأن التوازن يعنى التساوى نقول توازن الشيئان أى تساويا فى الوزن . أما اتزن  فهى الأنسب بمعنى " اعتدل ".
 وفى نفس النص : "  توقف ذهنى عن التدبير " ودقتها " التدبر " لأن التدبير هو حسن القيام بالشئ وهذا مستبعد من السياق لأن المطلوب هنا هو اليسير من القيام بالشئ وليس حسن القيام به ف السياق يقول : " ظللت واجماً للحظات . توقف ذهنى فيها عن التدبير " . وطالما أن هناك وجوم وتوقف ذهنى فكل ماهو مأمول فى هذه اللحظة هو القليل من الأمر وليس الكثير ومن ثم فالأنسب " تدبر " وتدبر الأمر تعنى نظر فيه وفكر .وفى آخر جملة فى نص  " عروس النيل تغازل الفتيان " :
" – ولكن إنها شقاوة الصغار ياأبى  !! "
والمعروف أن " لكن " من أخوات  " إن " ولا يصح أن تدخل إحداها على الأخرى . وصحة القول : " ولكنها شقاوة الصغار يا أبى " .على أية حال إنما قدمت عينة يسيرة وغيرها كثير  كثير  .
الملحوظة الثانية على اللغة :   أنها جاءت بمستوى واحد تساوى بين لغة الحلم والتذكر والمونولوج والحوار والسرد والتداعى وهذا ولا شك ينم عن حساسية محدودة باتجاه اللغة .

رحلة الموت الفلسطينى مقاربة نقدية فى رواية " رجال فى الشمس " لـ" غسان كنفانى " د. شريف الجيار



" كان لي ! "قصيدة للشاعر ابوالفضل بدران


كان لي بيتٌ ، ومزرعة ، وقلبُّ
كان لي خِلٌّ ....
ولي أهل وصحبُ ...
كان لي وجهٌ يسامرني
ولي ظل يتابعني
وأنفاس ....
وأحلام تراودني .
ولي بصر ... ولي جفن ... وهدب

كان لي صوت يحادثني فأسمعه
ولي شفتان ...
لي أذنان ....
لي حس ... وقلب ...
أحس بما يعانيه ،
وأشكو الحزن من نبضاته حينا
فيركع نحو محرابي ويعترف
كان لي نهر
علي جنباته غنيت
يخجل حين أوصفه
يداري وجهه حينا ... وينكشف ...
كانت لي هنا بئر
بها خبأت ما قد مر من عمري
وحين أريد ذاكرتي
سألقي الدلو في بئري وأغترف ....

كان لي فَرَسٌ
إذا ما تهت في البيداء ، يأخذني لقريتنا
وعند نخيلنا يقفُ
كان لي أمل
بطول الكون أرسمه ولا أصفُ ...
كان لي اسم أسابقه .
فيسبقني
ولي علب ... ولي حلوي .... وثوب

كان لي وطن ...
إذا ناديت يا وطني
يجئ براية المنصور ينقذني ...
وإذْ ما جاء طوفان
فلي فلك ... وشعب ...
كان لي ... ما كان لي شئ
فلا حي أنا ... كلا ... ولا يقضى لي النحب

كان لي ... ما كان لي شئ
فهل أهذي ....
أشك الآن أني جئت في الدنيا
وأن قصيدتي تلك التي – الآن- تقرأها -
يخامرني - بأني قلتها - شك وريب !!